
تمتلك موريتانيا ثروة غازية هائلة، تم اكتشاف عددٍ من حقولها المهمة على الصعيدين الوطني والإقليمي، أبرزها حقل "آحمييم" وحقل "بير الله". ويحظى الغاز بأهمية استراتيجية بوصفه مصدراً أصيلاً للطاقة ودعامةً للتصنيع. ويُعتبر حقل "آحمييم" الأهم بينها نظراً لعمقه وموقعه الاستراتيجي؛ حيث تُصنِّفه بعض الجهات المختصة كأعمق بنية تحتية في أعماق آبار النفط المستغلة في أفريقيا، حيث يبلغ مداه في مياه البحر حوالي 2850 متراً. وتصل الكمية القابلة للاستخراج من الغاز في هذا العمق إلى نحو 424.75 مليار متر مكعب.
وبالرغم من عزم السلطات الموريتانية على تصدير الجزء الأكبر من هذه الكمية، فإنها تسعى أيضاً إلى توجيه نحو 20% منها لدعم قطاع الكهرباء المحلي عبر تحويل الغاز إلى طاقة. أما بالنسبة للحقل الأهم "آحمييم"، فقد كان استغلال بئره الأولى ثمرة شراكة بين موريتانيا وجارتها السنغال. وقد انطلقت هذه الشراكة باتفاق وتعاون بين عدة أطراف هي: شركة "بريتيش بتروليوم" (BP) البريطانية بنسبة 56%، وشركة "كوسموس إينرجي" (Kosmos Energy) الأمريكية بنسبة 27%، وشركة النفط الوطنية السنغالية "بتروسين" بنسبة 10%، والشركة الموريتانية للهيدروكربونات بنسبة 7%.
ولا شك أن حدث تدشين أول دفعة من صادرات الغاز الطبيعي المسال من هذا الحقل المشترك في مايو من العام الحالي (2025)، يشكل بارقة أمل يرحب بها مواطنو البلدين وينتظرون جدواها، خصوصاً مقارنة بحجم التقديرات لاحتياطاته التي تبلغ 25 تريليون قدم مكعب.
إذا كان بعض الخبراء يراهن على أن خمس دول أفريقية ستستأثر بنصف إنتاج القارة من الغاز بحلول عام 2038، ومن بينها موريتانيا، فإن هذا الرهان يطرح تساؤلات ملحة لدى كل مواطن موريتاني: ماذا استفدنا من انطلاق العمل في حقول الغاز؟ لماذا نرزح تحت نسبة ضئيلة في استغلال حقل "آحمييم"؟ لماذا لا ينعكس مسلسل استغلال الغاز، ولو بشكل مبدئي، في عوامل التنمية و"الإقلاع" المنشود؟ وفي أي مرحلة يوجد مشروع إنتاج الغاز في آحمييم (GTA)؟
لعل الرهان الحاسم والأهم لتحقيق انعكاسات إيجابية من هذا المشروع، يكمن أولاً في استقرار السياسات وثبات الاستراتيجيات الحكومية تجاه مستقبله، وضمان استمرار خطى الاستغلال بوصف البلد فاعلاً رئيسياً قادراً على المنافسة، والسعي تدريجياً للتحرر من التبعية للأطراف الأخرى في الشراكة، أو على الأقل التخفيف من وطأة الشروط المالية والاستثمارية المجحفة، التي تقتل آمال المواطن الذي يرى بعينه بعض الانعكاسات الإيجابية لنفس المشروع وبضمن نفس إطار الشراكة على الضفة الأخرى للنهر!
قد يتأخر الريع الحقيقي والفاصل لمشروع إنتاج الغاز في إعادة تصنيف بلادنا، لكن هذا التأخير لا يبرر أي تراخٍ أو تأخر في مطالبة الشعب للحكومة بتهيئة الظروف المواتية لاستغلال الغاز وتصديره. وهذا يشمل تحسين مناخ الاستثمار لتسهيل عمل المقاولات الخادمة لإنعاش الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ودعم استقلال مؤسسة القضاء كضامن للتحول العادل الذي يعود بالرفاه "المشترك" على المواطنين. لقد سئم الناس الريع الأحادي، وكرهوا الثراء الفاحش لفئة معدودة ركبت عبر عقود ظهورهم المنحنية من طول انتظار الإصلاح والتعمير والتنمية.
ولن يتحقق أي رهان أو تعويل على الغاز ما دام الفساد مستشرياً ولا يُعرف المفسد بعينه، ناهيك عن محاسبته. فلا رفاه ولا إقلاع والفساد قائم بين ظهرانينا، يلبس لبوس "الاقتصاد غير المنظم" (التفكريش)، فلا غضاضة فيه على الكهل المُغرّر به الذي يمارس من خلاله سياسة "موريتانيا الأعماق" من غير وعي بالآثار الوخيمة المتراكمة، ولا على الشاب الحدث الذي وقعت عيناه على التنافس المحموم في اقتناء العقارات المتكدسة بقيم صورية، هي أقرب للغسيل أو التبييض وتبرئة ساحة السطو على المال العام.






