ولاية الحوض الشرقي: الزيارة الرئاسية التي تتحدى النزعة القبلية

تجاوزت الزيارة الأخيرة التي قام بها فخامة رئيس الجمهورية إلى ولاية الحوض الشرقي الإطار البروتوكولي المجرد. فقد حمل رئيس الدولة، إلى جانب تدشين المشاريع والإعلان عنها، رسالة ذات بعد سياسي عميق: وهي رسالة الوحدة الوطنية ومكافحة آفة النزعة القبلية.
وفي منطقة تشتهر بتنوعها الاثني والثقافي الغني، وتجاور دولة تعاني من عدم الاستقرار، تم تفسير زيارة الرئيس على أنها رمز قوي للاعتراف والاندماج والأمن. وقد وجهت الحكومة المركزية، من خلال التوجه إلى مدينة النعمه والمناطق المحيطة بها، إشارة واضحة مفادها أنه لن يتم تهميش أي منطقة أو جماعة في مسيرة التنمية والحكم الوطني.
والدرس المباشر المستفاد من هذه الزيارة هو إثبات أن التماسك الاجتماعي هو الشرط الأساسي لأي تقدم. وقد ذكر الرئيس، من خلال وضع الحوار بين المجتمعات في صميم خطابه، أن النزعة القبلية ليست مجرد قضية اجتماعية؛ بل هي عائق أمام التنمية الاقتصادية وتهديد للاستقرار، خاصة في ظل بيئة إقليمية متقلبة.
وقال فخامة رئيس الجمهورية أمام جمهور من المنتخبين المحليين والشيوخ التقليديين والمواطنين: "إن النزعة القبلية طريق مسدود، في حين أن الوحدة الوطنية هي الطريق الملكي نحو الازدهار للجميع". ويبدو أن هذه الرسالة، التي تم تكرارها بقوة، قد لاقت صدى إيجابياً بين السكان الذين سئموا الانقسامات العقيمة.
وكانت من اللحظات البارزة في هذه الجولة زيارة فخامته للكتيبة 51، وهي وحدة النخبة في الجيش الوطني المنتشرة على حدودنا مع جارتنا الجنوبية الشرقية. هذه الدولة التي تعاني، للأسف، من صعوبات سياسية وعسكرية تتأثر بها بشكل مباشر قرانا الحدودية.
وقد شكل وجود الرئيس بين هؤلاء الجنود التذكير بعدة حقائق حاسمة: ففي مواجهة التهديدات الخارجية، يكون الجيش الوطني، الموحد وغير القابل للتجزئة، هو حصننا. وأكد رئيس الدولة، من خلال تحية تضحيتهم، أن الأمن والسيادة ليستا مسألتين قبليتين، بل هما واجبان وطنيان يتجاوزان جميع الانتماءات. ويشيد في هذا المنحى أيضاً بمرونة سكان الحوض الشرقي، الذين يظهرون وطنيتهم من خلال تحملهم عبء عدم الاستقرار الإقليمي.
وقد تم تقديم المشاريع التي تم الإعلان عنها -الطرق ومراكز الصحة ودعم الزراعة -ليس كامتيازات مُنحت لمجتمع معين، ولكن كحقوق لجميع الموريتانيين، بغض النظر عن أصولهم. ويهدف هذا النهج إلى تحييد المنافسة بين القبائل على الموارد، وهي أرض خصبة للاستياء.
وإذا كانت الزيارة في حد ذاتها تصرفاً قوياً، فإن الأفق الذي تفتحه أكثر أهمية. وسيحدد المستقبل ما إذا كان سيتم تحويل هذه الزخمة إلى سياسة دائمة لتفكيك النزعة القبلية.
ولتعزيز الوحدة الوطنية، يجب التصدي للعديد من التحديات ذات الأولوية. فالضرورة الأولى هي تثقيف الشباب وبناء هوية مشتركة، من خلال دمج وحدات حول المواطنة والتاريخ المشترك ومخاطر النزعة القبلية في المناهج الدراسية. الهدف هو تكوين جيل يعرف نفسه قبل كل شيء على أنه موريتاني ويشعر بأنه موحد بمصير مشترك. وفي الوقت نفسه، من الأساسي ضمان عدالة منصفة وتعزيز سيادة القانون، حتى يقتنع كل مواطن بأن العدالة تُطبق بشكل متساوٍ على الجميع. وهذا يتطلب تعزيز المؤسسات القضائية وضمان التسليم المحايد للنزاعات، وخاصة النزاعات المتعلقة بالأراضي، والتي هي مصادر متكررة للتوتر.

وعلى صعيد الحكم، من الضروري تعزيز تمثيل متوازن لجميع مكونات الأمة في الإدارات وهيئات صنع القرار. وهذا الاندماج هو ركيزة لبناء حكم يُنظر إليه من قبل الجميع على أنه عادل ومشروع. وأخيراً، يلعب الإعلام العمومي دوراً رئيسياً من خلال أن يكون ناقلاً للنجاحات الجماعية وأعمال الوطنية. ويمكنه، من خلال تسليط الضوء على المبادرات التي تعزز العيش المشترك، ليس فقط إلهام السكان، ولكن أيضاً المشاركة بنشاط في بناء روح وطنية موحدة.
ولا ينبغي أن تبقى الزيارة الرئاسية إلى الحوض الشرقي مجرد ذكرى. بل يجب أن تشكل نقطة تحول في الوعي الجماعي. إن مكافحة النزعة القبلية هي معركة طويلة الأمد تتطلب أكثر من مجرد خطابات؛ فهي تتطلب إصلاحات هيكلية وإرادة سياسية ثابتة ومشاركة من المجتمع بأكمله.
لقد وجه الرئيس نداءً من على منبر انبيكت لحواش. وسيتم بناء الرد في الفصول الدراسية، والمقاطعات، والجبهة الأمنية، وفي قلب كل مواطن. إن مستقبل موريتانا، كأمة موحدة ومزدهرة ذات سيادة، يعتمد على ذلك. وبالتالي يمكن للحوض الشرقي، بتنوعه وتحدياته وتعرضه للاضطرابات الإقليمية، أن يصبح مختبراً لمواطنة موريتانية جديدة، تتحرر من قيود النزعة القبلية وتدرك قوتها في مواجهة الشدائد.

العقيد المتقاعد سيد محمد أبيبكر