الإصلاح الضروري للمسار العسكري

مسألة حدود السن وإدارة المسارات المهنية داخل القوات المسلحة هي أكثر من مجرد نقاش إداري. إنها مسألة استراتيجية أساسية، ترتبط مباشرة بالفعالية التشغيلية وقدرة الجيش على تجديد نفسه مع الحفاظ على رأس ماله البشري. في حين أصبحت التهديدات الأمنية أكثر تعقيداً وتشابكاً، أصبح من الضروري إعادة التفكير في مسار العسكري، من تجنيده إلى تقاعده، لتحويل منطق المغادرة إلى ديناميكية نقل وتثمين.
في الوقت الحالي، تضرب مفارقة العديد من الجيوش، بما فيها الجيش الموريتاني: حيث يُجبر الضباط السامون والاعلون على مغادرة الخدمة الفعلية في سن تصل فيه خبرتهم، التي تشكلت عبر عقود من العمل الميداني والقيادة وإدارة الأزمات، إلى ذروتها. هذه الثروة من الخبرة، التي تشكل الذاكرة المؤسسية وأساس اتخاذ القرار الاستراتيجي، يتم بذلك إخراجها من المؤسسة.
وتتفاقم المشكلة بسبب غياب الآليات المنهجية "لاستعادة" هذه الكفاءات بمجرد إقرار التقاعد. هؤلاء الضباط السامون والاعلون، الذين يمثلون مكتبات حية لقضايا الدفاع، نادراً ما يتم إعادة إدماجهم في أطر استشارية، أو خلايا للتفكير الاستشرافي، أو في مهمات للإرشاد. يمثل هذا الغياب خسارة صافية للمؤسسة، وإهداراً للموارد الفكرية التي تحتاجها بشكل كبير لمواجهة بيئة أمنية إقليمية متقلبة.
في مواجهة هذه الملاحظة، يفرض إجراءان مكملان أنفسهما.
أولاً، رفع سن التقاعد، على سبيل المثال إلى 68 سنة على غرار هيئات الدولة الأخرى مثل أساتذة الجامعات، من شأنه أن يسمح بالإبقاء على هذه الكفاءات الثمينة في قلب المؤسسة لفترة أطول. إن وجودهم المستمر حاسم لتكوين الضباط الشباب، والتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، وتحديث العقائد، والحفاظ على ثقافة عسكرية قوية. في سياق يتميز بعدم الاستقرار، حرمان النفس من هذه الخبرات هو ترف لا يمكن لجيش حديث أن يتحمله.
ثانياً، من الضروري إنشاء آليات مؤسسية لتثمين الخبرة بعد التقاعد. لا يجب أن يعني نهاية الخدمة الفعلية القطع مع المؤسسة. إنشاء خلايا للتفكير الاستراتيجي، أو لجان استشارية، أو برامج إرشاد منظمة من شأنه أن يسمح بتوجيه هذه المعرفة نحو تحسين هيكل الجيش، وتحسين طرق القيادة، وإثراء الأجيال الشابة. هذه الممارسة، الشائعة في أكثر الجيوش تطوراً، تبقى للأسف هامشية في العديد من البلدان، مما يحد من النقل بين الأجيال ويعيق الابتكار.
بالتوازي مع ذلك، يمر تطور المسار العسكري أيضاً بتكييف الهياكل الهرمية. يُنظر أحياناً إلى إدخال رتب عليا، مثل "فريق" و"فريق أول"، على أنها تعقيد بيروقراطي. الواقع، إنها تستجيب لحاجة تشغيلية.
تسمح هذه الرتب بتوضيح سلسلة القيادة في جيوش ذات مهام متزايدة التعقيد، وتقديم آفاق مسار مهنية أكثر اتساقاً وتحفيزاً. إنها لا تخلق تعقيداً، بل تقدم إطاراً هيكلياً لإدارة التعقيد الموجود أصلاً على الأرض.
يمثل هذا التطور إشارة قوية يرسلها إلى الضباط الأكثر موهبة، مبيناً لهم أن مؤسستهم تعترف بتفوقهم وتثمنه حتى أعلى مستويات المسؤولية.
في النهاية، تحديث الجيش لا يقتصر على اقتناء معدات جديدة. إنه قبل كل شيء تكييف هياكله وتثمين النساء والرجال الذين يشكلونه. يعد رفع سن التقاعد وإضفاء الطابع النظامي على استعادة الكفاءات بعد الخدمة الفعلية ركيزتين أساسيتين في هذا التحديث. إنه استثمار استراتيجي في رأس المال البشري، ضروري لبناء جيش أكثر مرونة، وأكثر ابتكاراً، وأكثر استعداداً لتحديات الغد. تقاس قوة المؤسسة بقدرتها على الحفاظ على خبرتها ونقلها. لقد حان الوقت للانتقال من منطق المغادرة إلى منطق الإرث الدائم.
العقيد المتقاعد سيد محمد أبيبكر